عاشق مثل هذي البراري المدمَّاة و الجثث
الذهبيَّة
يخرج من زمنٍ ليغنِّي
و يدخل في وطنٍ ليغنِّي
يبتاعُ أرغفةً و معاول
يبتاعُ أرصفةً و معامل
يبتاعُ حزنًا شديدًا
و دبَّابةً سقطت بين فكَّيْ زهرة دفلى
يبتاعُ قبرًا وسيمًا لطائرة
و غصونًا خضراءَ من فرح أبديّ للعاشقات
عاشق
ذاهب بين حشرجة النازحين و حشرجة الطلقات
عاشق قال:
هذه هي الحرب
تخلع قمصانها الخشبيَّة
تكشف عن عريها الحشريّ:
دماء و أرصفة
و دفاتر مبتلَّة بالنشيج
دماء و عاشقة و دفاتر مبتلَّة بالدماء
دماء و أرغفة
و أساور ضيِّقة
و مآذن واسعة
و طيور تهاجرُ...
مجزرة و شعوب
مجزرة و زهور
هذي هي الحرب تفتح نافذة الحبّ للقاتلين
و للعاشقين ستفتح نافذة للقبور
في
الحروب التي ذهبتْ
في الحروب التي بقيتْ
في الحروب التي حاولت أن تجيء
كان وجه أليف لعاشقة يتمرَّغ في الرملِ
و الألم الطبقي
كانتِ العاشقات الوسيمات يخرجنَ للشرفاتِ
و يعرضنَ أجسادهنَّ المدمَّاةَ لله
و الله كان يجيء القرى و بصحبته الجند
كان يعبِّىء مئزره الملكيّ حروبًا و
ينثرها في البيادر
كانت بيادر من فضَّة و مواعيد
كانت بيادر من فضَّة
ثمَّ
كانت حروب
و هل تذهبين إلى البيتِ
أم تذهبين إلى الموتِ
هل تذهبين إلى العشبِ
أم تذهبين إلى الحربِ
كنَّا نسير نسير و تثقبنا الطلقات
و كنَّا نسير نسير بدائرة قطرها ألف حزن
يدًا بيد و نغنِّي
يدًا بيد و نموت
و يا أيُّها الموت لا تأتِ في الصيف
إنَّ الطيور تشاطرنا الصيف
يا أيُّها الموت لا تأتِ في مطر خائف و
بعيد
لا تأتِ
فالأرض عطشانة
و المواسم مكسورة
و الشعير سينضب
و العاشقات سيبكين عشاقهنَّ
و لا تأتِ... لا تأتِ
لكنَّهُ الموت يأتي
و لكنَّها الحرب تأتي بهيئتها الحشريَّة
تدخل من ثقبِ بابٍ
و من ثقبِ نافذةٍ
تتناسل في حانة – صحف – كتب
تتناسل في جثث العاشقات
ثمَّ تنده للقاتلين: "استريحوا...
استريحوا"
و تطعمنا البؤس و الطلقات
عاشق
قال:
بعد نهارين من تعب و رصاص
تجيء من الأرض عاشقة
و تمدُّ يديها إلى مطر و إجاص
تمدُّ يديها إلى الماء
تغسل ألسنة الخطباء و ألسنة الرقباء
تسجِّلُ أرصدةَ الفقراء التي ابتلعتها
الحروب
على دفترٍ شجريّ
تمزِّق قبَّعة الجنرال
و قبل مسائين من مطر و إجاص أرى:
تحت قبَّعة الجنرال قرىً مصمصت عظمَ
أطفالها
و يدين تقطَّعتا
و أرى تحت قبَّعة الجنرال:
دمًا ساطعًا
و جماجمَ مكسورة تتهجَّى حروف
و في كل حرف مشاريع من حلم فاسد
و أرى تحت قبَّعة الجنرالات
مشروع حرب على الزهر
مشروع حرب على النهر
مشروع حرب على الفقراء
و بين يدين تقطَّعتا
يهرب العاشقون من العشقِ
و الميِّتون من الموت
و الفقراء من الفقر
من ثمَّ تسقط قنبلة و يجيء الغزاة
الأشدَّاء
من كأس شايٍ و سيجارة و صباح
و من كأس شاي و سيجارة تبدأ الثورة
العالميَّة
أو تبدأ الأمنيات الكثيرات
يبدأ الخطباء خطاباتهم
و الجنود رصاصاتهم
ثمَّ أفرغ من الحزن
أقذفه تحت قبَّعة الجنرال
و أركض في مقتل لا يحدُّ
أنا الآن مقتنع ببلادي
و مقتنع باضطهادي
و في زمن لا يحدُّ أرى من أحبُّ على شاطئ
تستريح من اليأس
تسألني عن مكان لذيذ بلا شرطة
نتبادل فيه الأناشيد و القبلات
أجيب: هو البحر
قالت هو البحر. قالت هو البحر
و ابتسمتْ.
بعد ثلاثة أيَّام
ما
الذي سيحدث في هذا الضياء الواسع
إذا لم تشرق الشمس
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الفضاء الواسع
إذا توقَّفت العصافير عن الزقزقة
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الجحيم الواسع
إذا تعطَّلت أجهزة اللاسلكي
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا المستنقع الواسع
إذا توقَّفت الضفادع عن النقيق
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا القبر الواسع
إذا فقدتْ السجائر من الأسواق
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا الخنجر الواسع
إذا توقَّفت أمريكا عن أكل لحوم البشر
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
ما الذي سيحدث في هذا العالم الواسع
إذا أضربنا عن اليأس
لمدَّة ثلاثة أيَّام؟
و ما الذي سيحدث في قلبي الواسع
إذا لم أحبك
بعد ثلاثة أيَّام؟
منذ
القبلة الأولى على رقبتك الطويلة
و حتَّى الحرب العالميَّة الثالثة
التي لم تأتِ بعد
كنت أوزِّع الحبّ على النازحين
و هم يوزِّعون بطاقات الإعاشة
كنت أوزِّع الحبّ على السجناء
و هم يوزِّعون الصدمات الكهربائيَّة
كنت أوزِّع المصانع في الصحاري
و هم يرصدون سجنًا لكل مصنع
منذ انبثاق النار من احتكاك حجرين
و حتَّى اختراع القنابل العنقوديَّة
كنت أوزِّع الحبّ في القلوب
كما يوزِّعون الرصاص
كنت أنثر الأغاني في الطرق الجبليَّة
كما ينثرون الألغام
منذ أن جلس بوكاسا على عرشه العريض
و أنا أحاول أن أحبُّهُ
بعدَ ثلاثة أيَّام
بعد
ثلاثة ايَّام
ستقابل عاملة في مصنع للنسيج
رجلاً يصنع التوابيت
بعد ثلاثة أيَّام
السماء ليست سوداء
و الأحاديث ستكون أجمل
بعد ثلاثة ايَّام
ستقابل العاملة رجلاً
هي لا تحمل حقيبة
و هو لا يضع ربطة عنق حمراء
بعد ثلاثة ايَّام
ستحدث مهزلة بسيطة
-رغم أنَّ كلا منهما لا يملك أجرة تكسي-
عندما تقول له:
لا استطيع أن أحبك
إلاَّ بعد ثلاثة ايَّام
راعي
بقر مكسيكي
يمتطي دبَّابة سمينة
أسنانه في نهد خطّ الاستواء
و أصابعه تلعب البوكر في داريا
جزمته في طهران
و دماغه في واشنطن
راعي بقر مكسيكي
أطلق قذيفة واحدة
فأصاب ثلاث عائلات
الأولى: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثانية: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
الثالثة: لم تسمع بالأمم المتَّحدة
راعي بقر مسكيكي
أطلق قذيفة واحدة
فثقب قلبي من ست جهات
شحذت سكِّيني ببرود
أيُّها الراعي... أيُّها الراعي
تعال لأحبَّك!
بعد
ثلاث قبلات
بعد ثلاث قذائف
بعد ثلاثة أرغفة
بعد ثلاث مجاعات
بعد ثلاث حروب
بعد ثلاث جرائم
بعد ثلاث مصفَّحات
بعد ثلاث مراوح كهربائيَّة
بعد ثلاث جثث
بعد ثلاثة أرانب
بعد 24 سنة من التعب البارد
من يستطيع أن يحبّني
بعد ثلاثة أيَّام؟.
نيكاراغوا. نيكاراغوا
دم
أبيض و أزهار سوداء
نوافذ تطلّ على البحر
و نوافذ تطلّ على المقابر
فتاة جائعة تمشّط شعرها باتِّقان
مياه صلدة
أغانٍ بليدة تتحدَّث عن الحبّ و الفراق
عجوز معبَّأة بالذكريات و السعال
دفاتر ممزَّقة و نشيج مكتوم
نيكاراغوا
مصانع
لإنتاج الأدوية الغالية
و أخرى لانتاج الأمراض الرخيصة
طائرات لنقل البشر إلى الحروب
و أخرى لنقل البشر إلى الغابات الجميلة
أراضٍ لزراعة البرسيم و القمح و البترول
و أراضٍ لزراعة الفيروسات و الجماجم و
التوابيت
نيكاراغوا
مدينة
عذبة بشفتين ناريّتين
شوارع عريضة للنمور و الفئران و السجون
و شوارع ضيِّقة للأبقار و العصافير و
الحريَّة
نيكاراغوا
مكاتب
لاستئجار و تأجير البيوت
مكاتب لاستئجار و تأجير المقاعد
مكاتب لاستئجار و تأجير الصحاري
مكاتب لاستئجار و تأجير الكتَّاب
مكاتب لاستئجار و تأجير النجوم
مكاتب لاستئجار و تأجير الأسماء
مكاتب لاستئجار و تأجير الهواء
مكاتب لاستئجار و تأجير القمر
نيكاراغوا
نابليون يتبادل الأنخاب مع القيصر
بريتون يشتم سلفادور دالي
الليندي يتنازل عن السلطة للفاشيِّين
بردي يصبّ في الميسيسيبي
شعراء يشتركون في سباق الخيول
و حدَّادون يكتبون الروايات الجميلة
نيكاراغوا
سندويتش مهرّب عبر الحدود
ساحرات يقطنَّ علب الكبريت
أرانب تتعلَّم ركوب الدرَّاجات
نسانيس تشرب الكازوز في الشواطئ
جيوب محشوَّة بالمدرَّعات
ألسنة مطليَّة بالنيفيا
تحيَّات مثلَّجة
قبلات عوراء
سياط ملوَّنة كالطواويس
و طواويس بلا ذيول معروضة في الحدائق
العامَّة
نيكاراغوا
برَّادات لحفظ الجوع من الذوبان
طناجر بخاريَّة لطبخ الألم و الضياع
ستائر لطرد الشمس من البيوت
رصاص لطرد الثوَّار من الحياة
مختبرات لمعالجة الغازات المسيلة للأرواح
إذاعات لترويج العنف و المقانق و البضائع
الكاسدة
و تلفزيونات لترويج الأكاذيب
و متاحف لعرض الجثث و صور الأحياء
نيكاراغوا
كتب
محكوم عليها بالإعدام
فراشات محكوم عليها بالأشغال الشاقَّة
المؤبَّدة
مياه آسنة تسيل من سقف مثقوب
عاشق ينظر من الثقب و يغنِّي لحبيبة بعيدة
حبيبة بعيدة معلَّقة من نهديها في الساحة
العامَّة
فلقد حلمت مساء البارحة بصياح الديكة
نيكاراغوا
نون
نائمة تحاول أن تستيقظ الآن
ياء يائسة عثرت على وردة في الطريق
كاف كئيبة يعزف تحت نافذتها رجل
بالأكورديون
ألف آهلة بالرقص و الثورات
راء رطبة تجفِّف جسدها من الفاشستيِّين
غين غريبة ضمتها ذراعان دافئتان
واو واسعة تتَّسِعُ للجميع
نيكاراغوا
امرأة
مجنونة و شعر محلول
أغنية ساقطة تبحث عن ملحِّن
نيكاراغوا
منفضة
سجائر بحجم نيكاراغوا
مجمرة طويلة و دخان كثيف
نيكاراغوا
أسلحة
في الشوارع
أسلحة في الثلاَّجات
أسلحة أثريَّة معلَّقة على الجدران
أسلحة بيضاء مخبَّأة في الأحذية
أسلحة صغيرة تحت الوسائد
أسلحة كبيرة على الأسطحة
أسلحة في الأصابع
أسلحة في الأدمغة
أسلحة في القلوب
نيكاراغوا
أرغفة
تصفع الناس في الصباحات الباردة
رجل يخلع جواربه و يقفز إلى السماء
امرأة تخلع عينيها و تطارد الغزلان
طفل يفجّر بالونه و يطالب بمسدَّس
نيكاراغوا
نيكاراغوا ورق أبيض و كتاب مفتوح
نيكاراغوا آتية
نيكاراغوا قريبة
نيكاراغوا على بعد ثلاثة أمتار من هذه
القصيدة
ذات يوم فوق سرير شاسع
للمرَّة الألف أرجوكِ لا تذهبي
للمرَّة الألف آخذكِ بيديَّ
و أركض في حقول الألغام
في حقول الدم
في حقول الحنطة
و أرجوكِ لا تذهبي
لا تذهبي و في عينيكِ غزالة مذبوحة
لا تذهبي و تحت جلدك يصفّر الموتى بشفاههم
المعطَّلة
لا تذهبي يا عزيزتي لا تذهبي
تعالي و قبِّليني قبل أن تذبح شفتيكِ
المرتعشتين
سكاكينهم الطويلة
تعالي لنثرثر بسهولة و ألم
تعالي لنتحدَّث مثلاً:
عن الديدان التي تغزو السنابل
عن المعادن التي تقزقز أصابع العمَّال
بطريقة عجيبة
حدِّثيني عن السهول ذات الخضرة الضارية
عن الوعول التي تقفز بسعادة بالغة
و هي تقضم عشب الفرح بحريَّة لا تشبه
إلاَّ قلبي
حين يخفق بأعلامه السوداء
فوق ثكنات المحاربين الذين يحلمون فقط
- بثلاثة أمتار من الراحة
- بدوش ماء بارد
- بامرأة تغنِّي بصوت حزين
و طفلة تقول لكل رجل تصادفه: أريد بابا
حدِّثيني عن الدنيا و قارَّاتها الخمس
و حدِّثيني فيما بعد عن الزمن
و حدِّثيني عن العصور جميعًا
إبتداءً من العصر الحجري القاتل
و انتهاءً بعصرنا السفَّاح
حدِّثيني عن السفَّاحين المنتشرين في:
السفارات، الأزقَّة، دور السينما،
المطابخ، علب الكبريت، زجاجات مياه بقين، أحذية باتا، ولاَّعات رونسون،
شركة ميكروفيلم، جوارب أوغاريت...
حدِّثيني لأحبَّكِ
حدِّثيني لأحبَّكِ
"أحبُّكِ"
هذا ما يقوله السنديان للمطرقة.
"أحبُّكِ"
لي نهار في المعصية
و لي أزهار في الطرقات
"أحبُّكِ"
هذا ما أقوله أنا
هذا ما يقوله الرجل الذي من خلفه النوافذ
تهوي
و من تحته الأرض تئنُّ
"أحبُّكِ"
لي ثلوج في جميع المدافئ
و لي وحل في جميع الشتاءات
لي الحائط الكتيم
الأصفاد الثقيلة
الزمن البطيء
و لي الزهر الذي يتدفَّق من رئتيكِ
تنفَّسي يا حبيبتي تنفَّسي
فهوذا الهواء ينبح في الأزقَّة بصوته
البليد
هوذا الدم يسيل فوق لحم الشرفات
و أنا ملتفٌّ بقلبي
و قلبي يقرع أجراس الأجساد الرثَّة
أيَّتُها الأجساد الرثَّة المغسولة بالحبّ
و عصير البرتقال
أيَّتُها الأشجار الصاخبة
المغلَّفة بالأيقونات و صور القدِّيسين
أيَّتُها الأحجار، المقابض، الأسطحة،
الأحذية، الأعلام، القواميس، الرجال، النساء، القطط، الفؤوس، الهراوات،
الشياطين...
تعالوا و استمعوا إلى خرير الإرهاب في
الشوارع
تعالوا إليَّ جميعًا
تعالوا إليَّ بدون استثناء
- أيَّتُها المرأة تعالي لأضمَّكِ
- أيُّها الطفل تعال لأقصَّ عليك حكاية
الذئب و الأرنب
- أيُّها العاري تعال لأكسوك بالقبلات
- أيَّتُها الحقول الجافَّة تعالي لأهبكِ
خضرة دمي
- أيَّتُها الشمس لماذا ترتعشين من البرد
و حطب قلبي مهيّأ للاشتعال؟
و يا أيَّتُها الأسئلة
يا أيَّتُها الأسئلة
تعالي لنكسر معًا زجاج النوافذ
التي تحجب عنَّا نضارة الصراخ
سأسأل الصبايا:
لماذا أنتنَّ مكتئبات
و موسيقى ديميس روسوس معبَّأة في زجاجات
الكازوز
سأسأل
الجائعين:
لماذا لا تأكلون أطنان التفَّاح
التي يهدرها الإمبرياليّون في البحر
يوميًّا؟
سأسأل أشجار الزيتون في ضواحي دمشق:
من اختلس أوراقك في الليل
و جعل منها وسادةً للسفَّاحين؟
سأسأل السفَّاحين عن الأشجار
الأشجار عن الشوارع
الشوارع عن الاضطهاد
الاضطهاد عن حبيبتي
و أقول لحبيبتي
أقول لحبيبتي التي تبيع الجنارك و المانجة
في باب توما:
إنَّني مرهق كثعبان ابتلع بيضة
و أقول لحبيبتي
و أنا أصغي إلى زقزقة الموتى في التوابيت
إلى هديل الحرب في البلاد:
تعالي لنمشي و نتذكَّر كيف كان الملوك
ينتحرون
لأنَّ عينين حافيتين انطفأتا
لأنَّ قلبًا وسيمًا أضاء
تعالي لنتفاءل بذات يوم فوق سرير شاسع
ذات يوم فوق سرير شاسع، حيث:
- العصافير تقصف الطائرات
- الشهداء يضعون القتلة على الكراسي
الكهربائيَّة
- الزهور تسنُّ للرصاص شفرات المقاصل
و الحريَّة
تغتصب
السجون
ذات يوم فوق سرير شاسع
أفتح ثغرة في لحمك الذي يحترق أيَّتُها
الأرض
و أقذف إليك بدماري.
أساطير يوميَّة
"الفن
هو فرح الإنسان في أن يكون ذاته، بأن يحيا و ينتمي إلى المجتمع".
فاغنر
الوقت/القبلة
رأيت
أنَّ الأرض مثلَّث بيرمودا واسع
يبتلع الأطفال و الشجر و الفلاَّحين
ثمَّ اكتشفت، فيما بعد، أنَّ الأرض
كرويَّة
ففكَّرت بوجود بعض الأمكنة
لا يبتلع فيها الماء شيئًا
أمكنة صغيرة جدًّا...
على سبيل المثال:
ثمَّة رجل يقبِّلُ امرأة
دون أن ينظر إلى ساعته.
الولد/الفتاة
"- إذا
لم تحبني
أيُّها الولد اللطيف
سأردُّكَ إلى أمِّكَ...
- إذا لم تحبِّيني
أيَّتُها الفتاة الشرِّيرة
سأردُّكِ إلى القبر."
و أنا أتذكَّر أنَّ بين شجرة الليمون و
المستنقع
بين الهواء و الضفائر الساطعة
بين الأسنان الجائعة و اللحم
بين الموسيقى و الغبار
بيني و بين أمِّي
بيني و بين قبري:
فتاة لطيفة
و ولدًا شرِّيرًا!
لماذا
لماذا نحبُّ بعضنا بعضًا
ما دام جيبي محشوًّا بالأجراس
و جيبك محشوًّا بالجثث؟
لماذا نقبِّل بعضنا بعضًا
ما دام فمي رأس أوزَّة حمراء
و فمك عمود كهرباء متغضِّن؟
لماذا نرسل لبعضنا البعض الرسائل
ما دمتِ تحاولين أن تعضِّي الزمن
و أنا أحاول أن أقطع المسافات؟
و فيما بعد إذا تزوَّجنا
هل ستصرِّين على سرير من خشب الزان
أم ستستلقين بكامل أناقتك على الرمل
المبلَّل؟
لنبقَ بعيدين إذًا
يدك تتثاءب على الوسادة
و يدي ترعى قطعان الرصاص
و فيما بعد إذا التقينا في مقبرة واحدة
لن أنكر أبدًا أنَّني أحببتك.
الشبه
يا
امرأة من لحم و صنوبر و أحجار
إنَّكِ لا تشبهين أحدًا سوى رأسي
رأسي المعبَّأ بالشوارع و الجثث و
الكلابات
إنَّكِ لا تشبهين أحدًا
لذلك أرفض أن تمتدَّ يدك لاشعال سيجارتي
يا امرأة قصصت عليها أسطورة كو-نغاي
ألا أبدو لك كقاعدة أرضيَّة
لاطلاق الأغاني على البشر
فلماذا تنظرين إليَّ ببلاهة؟
مياه مالحة
نحن
الأطفال البلهاء
الذين لم نغمس أجسادنا بالماء المقدَّس
لماذا لا نذهب إلى البحر
لنسنَّ أسناننا بمياهه المالحة
و نعود إلى الوطن بقلوب قويَّة؟
167 سم
أنا
رجل وسيم
طولي 167 سم
أنا تراكتور معطوب
أبحث عن عمل منذ ثلاثة أشهر و توابيت
جلست في المقهى لأشرب شايًا ممزوجًا
بالدبابيس
جلست في مقهى
النساء فيه يتدلين من الأشجار
كما تتدلَّى مصابيح النيون في معرض دمشق
الدولي
أنا رجل وسيم
قال لي صديقي: "مدّ يدك و اقطف امرأة".
أيُّها الصديق الجاهل
الحبّ قطاع خاص
و لذلك علينا أن نفعل شيئًا.
قلب مكسور
لي قلب
مكسور كسفرجلة
لدى كل رجل قطعة منه
اجمع الرجال و قل لهم:
نحن لسنا لصوصًا
إنَّنا نعمل ثماني ساعات في اليوم
و من حقِّنا أن نأكل السفرجل
اجمع الرجال جميعًا فتجمع قلبي
قلبي المكسور كسفرجلة
ذلك الطفل... تلك المرأة
ذلك
الطفل الذي يقرأ في مجلة قديمة
إنَّهُ يفكِّر كيف يستطيع أن يخرج الشمس
من ردائها الناصع ليشاطرها الاحتراق
ذلك الرجل في ردائه الشفَّاف
إنَّهُ يفكِّر كيف سيستطيع أن يقبض على
المرأة الهاربة
ليشاطرها الحبّ أمام جميع المخلوقات
و تلك المرأة
المرأة الهاربة كرمل ناعم من بين أصابع
طفل
-طفل يقرأ في مجلة قديمة-
تمدُّ يدها إلى الشمس
و تردُّ للعالم أشياءه
إنَّها أشياء صغيرة جدًّا
بيوت، و حوانيت، و أرصفة، و جوع
و أيضًا
قصيدة نائمة في مجلة قديمة
إنَّها تقترب
هي ذي
تقترب كسفينة محمَّلة بالجثث
الساعة ذات الرقَّاص الرتيب تؤكِّد على
ذلك
النهار ذو الشمس المنهكة يوكِّد على ذلك
و البيوت المتراصَّة كعيدان كبريت في علبة
صغيرة
تؤكِّد على ذلك
و أنا أؤكِّدُ لكم
أنَّها تقترب كسمكة قرش مريعة
إنَّها تقترب كقنبلة معطوبة
و معها يقترب كل شيء من كل شيء
اللحم من السكِّين
المدافن من الجثث
و النار من زجاجة بنزين سريعة الاشتعال
إنَّها تقترب
إنَّها تقترب
ساعة الذهاب إلى الموت باطمئنان
و حزن شديد
حيث يبحث الجائع في القمامة عن الأغاني
و العصفور عن السماء الزرقاء في الغرف
المقفلة
و الثائر عن الحصان تحت الوسادة
إنَّها تقترب و أنا لست وحيدًا
إنَّها تقترب و أنا أحاول أن أبدو أقلّ
حزنًا
إنَّها تقترب و أنا أقذف قطعة السكَّر في
فمي
و أذهب إلى المدرسة في القرى الموحلة
أطارد الدجاج في الطريق
و أتعلَّم كيف أقبِّل الفتيات الصغيرات
و أسرق لهنَّ التوت من الأشجار الواطئة.
ورق
ورقة
بيضاء كانت
ورقة بيضاء فقط
لم يكتب عليها العاشق رسالة
و لم تطبع عليها الدولة قانونًا
ورقة بيضاء نقيَّة كالنبع
لم تمسكها يد
و لم تمزِّقها أصابع
ليست هويَّة شخصيَّة
و لا بطاقة مجَّانية لزيارة المعتقلات
ورقة بيضاء فقط
قدَّمتها لحبيبي
فكتب عليها كلمة (أحبُّك)
و لم يستطع أن يقبِّلني!.
ثورة صغيرة
بعد
قليل
سأقوم بثورة صغيرة
في هذه الغرفة السوداء
أمزِّق الكتب و الأحزان و الصور القديمة
و أضع الكرسي مكان المدفأة
بعد قليل... بعد قليل
سأفكِّر بالزهور و يعاسيب الغابات
و الخيول المرتعشة خلف القضبان
بعد قليل
سأقوم بثورة صغيرة
أضع رأسي فوق الوسادة
أغمض عينيَّ على حلم متوحِّش
أمدّ يدي إلى قلبي
و أغنِّي لروزا لوكسمبورغ.
بندر شاه
لستُ
سيئًا بما فيه الكفاية
لأضع السيف على عنق الحصان
و أبصق على الأرض بحقد قائلاً:
(- انزل عن الحصان يا ترانتيان الجبان
انزل و بارزني.)
ذلك أنَّ السيوف وضعت في المتاحف
و الأحصنة أصبحت للسباق
و البصاق تجمَّد في الفم
أمَّا الفرسان الثلاثة فماتوا
و تركوا حصان الشعب في الحلبة
يصهل و يعضّ الأحجار
طالبًا الطغاة للمبارزة.
أطوار غريبة
أطواري
غريبة هذه الأيَّام
إنَّني أرقص دائمًا
و أنظر إلى الخناجر التي تغوص في اللحم
و على شفتيَّ ابتسامة من نوع ما
لقد تذكَّرت البارحة أغنية لطيفة
أغنية و قطيعًا من الصخور
أغنية و بحرًا هائجًا كثور
أغنية و رجلاً ميِّتًا
ينظر إلى الأفق بعينين جاحظتين
أغنية... و رقصتُ
كانت أطواري غريبة
فلم أغلق عيني الرجل بهدوء و حزن
كما يفعلون في الأفلام
لكنِّي تساءلت:
لماذا يموت الرجال هنا و هم ينظرون إلى
الأفق؟
لم يحبّني أحد
لم تحبّني سوى أغنية و قطيع من الصخور
فمددتُ كفِّي إلى عينيَّ
-عينيَّ اللتين تنظران إلى الأفق-
و أغلقتهما بهدوء
كان يجب أن أحزن و أتألَّم
كما يفعلون في الأفلام
لكنِّي رقصت
إنَّني أرقص دائمًا
فأطواري غريبة هذه الأيَّام.
اطمئنان
حجر
بعد حجر
لن أسقط
كمدينة محاصرة
ورقة
بعد ورقة
لن أسقط
كشجرة في الخريف
جثَّة بعد جثَّة
لن أسقط
في مذبحة علنيَّة
تحت ظلِّ القانون
أمام
دبَّابات الامبرياليَّة
سأسرِّح شعر قلبي
و أنظر إلى الموت باطمئنان.
جندي
في
الأزمنة البعيدة
في الأزمنة القريبة
كان يرعى برسيم الحروب كخروف صغير
حاصر المدن كما يحاصرون زوجاتهم في الفراش
اعتدى على الأفئدة و الأشجار و الحيوانات
الأليفة
و بمساعدة رشَّاش صغير يزن 5 كغ
اغتصب امرأة و قرية و مساحات شاسعة من
الموسيقا
و بمساعدة بذلة عسكريَّة
و عينين قاسيتين
و أظافر طويلة
منع الشمس من أن تزور ثلاثين رجلاً
و قطَّة
و أربع دجاجات
و عندما مات كما يموت الجميع
كان يعضّ شفته السفلى بضراوة
و يبصق على نفسه بدون استئذان أحد
و لم يترك –كما تعلمون-
بوليصة تأمين لأولاده.
فنان
وحيدًا
في الليل
أو وحيدًا في النهار
استطاع أن يضع البحر و الصحراء
الذئب و الشاة
القاتل و القتيل
في إطار مساحته
7 x 3
إطار مزدحم بالخطوط و الألوان الغريبة
و وحيدًا في الليل
أو وحيدًا في النهار
كان ينظر إلى لوحته و يفكِّر بقلق:
النافذة مغلقة جيِّدًا
و لا شيء في الشارع سوى الغبار
فلماذا لا أجرؤ على البكاء أو النوم؟.
رجل
... و
عندما كان الناس يرقصون
أو يشاهدون الأفلام الهزليَّة
رأيته يحمل الخضار للجوعى
و الحقائب للمسافرين
البترول للطائرات
و الألعاب للأطفال
... و عندما كان الناس يتثاءبون في فترة
الظهيرة
أو يمارسون الحبّ في الحمَّامات
كان يحمل السمك من البحار
و القمح من الحقول
الورد من الحدائق
و الكتب من المطابع
و في يوم ما
الأربعاء أو الخميس أو الجمعة
جاءت سيَّارة بيضاء
و حملته إلى المقبرة!.
زوربا
زوربا
أنا لا أعرفك
أأنت قدِّيس أم ثائر؟
حبَّة خوخ ناضجة
أم مصباح بترولي زهيد الثمن؟
زوربا
لقد أحببت نساء بعدد السياط التي تلقَّاها
جسدك
و تلقَّيْت من الهزائم بقدر الرسائل التي
كتبتها لعشيقاتك
كنت شيوعيًا في مصر
و رأسماليًّا في البلقان
إذًا، يا زوربا
أقدِّيس أنت أم ثائر؟
عندما كانوا يصنعون الأسلحة
كنت تحاول إنقاذ الأرامل من الذبح
عندما كانوا يرقصون الروك أند رول فوق
الجثث
كنت تعمل في المناجم بقوَّة 300 حصان
عندما كانوا يبتكرون الغازات المسيلة
للدموع
كنت تبتكر الغازات المسيلة للفرح
و مع ذلك، يا زوربا، أسألك:
أقدِّيس أنت أم ثائر؟
لقد عشت في زمن ثمن الإنسان فيه دولار
واحد
و ثمن البقرة أربعين دولارًا
لقد عشت في زمن يسيل فيه الويسكي
بالكميَّة التي يسيل فيها الدم
لقد صنعت حضارات الدنيا
و أسعدت البشريَّة لقرونٍ طويلة
و لكن لماذا عندما متّ
يا زوربا المسكين
لم ترثْ زوجتك منك
سوى آلة موسيقيَّة ثمنها ربع جنيه
استرليني؟.
هيلين
(إلى ن.
أبو عفش)
... و
إنَّها لكذلك
إنَّها وظيفة الخارجين من خنادق الألم
حيث كل شيء مباح
الينابيع و الخناجر و الكواكب
و حيث كل شيء مفتوح
الركض و النحيب و القبلات
و البحث عن اليورانيوم في حويصلة رجل ذبيح
إنَّها وظيفتك أنت
و إنَّك لكذلك:
متين كالماء
واسع كالصدى
متينًا كالماء رأيتك
عندما كانوا يقتحمون دماغك ليصادروا منه:
الأسرَّة التي أعددتها للعشاق
و الأشرعة التي أعددتها للمراكب
أسلحة سبارتاكوس
عيني هيلين
و نظريَّة آينشتاين النسبيَّة
و واسعًا كالصدى رأيتك:
عندما كان صوتك تفَّاحة
تتدحرج في القلب
قنبلة من زهور و أرغفة
وطنًا شاسعًا
و غطاء تدثِّر فيه أزقتك الباردات
عندما كان صوتك مذبحة لمذابحهم...
قلت لي:
إنَّ هيلين أنثى مقدَّسة
قبضة من نهار و أحصنة
وطن للمصابين باليأس
نافذة، مطر
إنَّ هيلين...
و إنَّها لكذلك
و إنَّها لكذلك
إنَّها وظيفة الخارجين من خنادق الألم
حيث يطاردون الكلاب و الفقراء
و يباد الذباب و القصائد بالد.د.ت
و حيث كل شيء مباح:
البكاء على القبور
و الضحك في الليالي المقمرة
زرع الطيور في حناجر الموتى
و اصطياد الأرانب من دور السينما
إنَّها وظيفتك أنت
و إنَّك لكذلك
قريب كالحروب
بعيد
كالأغاني.
هيروشيما
في رأس
السنة الجديدة
و كإبن بار
سأجمع البحار و الأشواق و الأفكار الطارئة
و أرسلها بالبريد المضمون
إلى أمِّي
أمِّي التي ما زالت تتنفَّس أوكسجين
العبوديَّة
و تلتهم فطائر الإرهاب
منذ أن امتدَّت يد الإنسان إلى الإنسان
و جعلت منه مزرعة لانتاج الحاسبات
الالكترونيَّة
في رأس
السنة الجديدة
سأجمع الصحف و المقابر و الحانات
الاعلانات و الشوارع و أماكن العبادة
و أعبِّئها بمحفظتي
كما تعبِّىء الفلاَّحات جرار الماء
من الينابيع البعيدة
أدخِّن بهدوء
ناظرًا إلى الفظائع المنتشرة
كانتشار الذباب فوق قطعة حلوى
هنا الماء و هنا الصحراء
هنا العطش حتَّى الارتواء
و هنا الجوع حتَّى التخمة
و هنا باستطاعتك أن تشتري أصابع الأطفال
من الحوانيت
لتعلِّقها في غرفتك
بجانب لوحات فاتح المدرِّس
هنا الماء و هنا الصحراء
هنا القيود الممتلئة
و هنا القلوب النحيلة
و من المطاعم كما في الحقول
من المدافن كما من علب الكبريت
تخرج حجافل الاستعمار
لتكتسح الأناشيد و الأفئدة و أقلام الحبر
الجاف
تعالوا... تعالوا
أيُّها الهولنديُّون و الدانمركيُّون و
الأمريكيُّون
تعالوا لنشرب القهوة و نتبادل الأنخاب
تعالوا لنحتفل بسقوط القنبلة الذريَّة
الثانية
بين عيني هيروشيما
في رأس
السنة الجديدة
سأجمع أسماء الطغاة كما يجمعون الطوابع
التذكاريَّة
في "ألبوم"
ضخم من ورق الأيَّام
أضع فرانكو بجانب سالازار
موسوليني تحت هتلر
السادات أمام سوموزا
سميث بين ساقي سالومي
و أعطيهم حريَّة الموت تحت سنابك التاريخ.
أغنية رجل متعب عائد إلى البيت
هذه
الدنيا الموشكة على البكاء
برتقالة أم حجر
سمكة أم تمساح؟
و هذا القمر
الذي يطلّ كل مساء
بثيابه الرثَّة
مادًّا يديه إلى سكارى منتصف الليل
كشحَّاذ عتيق
هل أسأله من أنت؟
أم أغرز أسناني في رأسه؟
رأسه الذي كحبَّة جوز فارغة
تتطوَّح في هواء منتصف الليل.
أنظر إلى القمر كرومانتيكي عريق
و خنصري أمام أنفه
- سأخاصمك يا قمر
أيُّها الأصفر الكبير
لن أشرب معك القهوة
و لن أركض معك في البريَّة
لن أنتحب أمامك كعاشق
و لن أحجب وجهك كغيمة
و كجندي مهزوم عائد من حرب عادلة
سأنظر دائمًا إلى الأسفل
راكلاً الحصى و المتاعب ببوز حذائي
و أنا أفكِّر بالمجهول!.
فيما بعد
فيما
بعد
بعد عشرين سنة أو برتقالة أو سيجارة
أجدها هنا
أجد حبيبتي التي من قطن و جسور و مساكن
تفتِّش عن قطرة المطر المتكسِّرة
بين أسنان الرمال
فيما بعد
بعد عشرين خنجرًا أو صديقًا أو رحلة
أجدها هنا
أجد الأصابع العشرة النائمة في سريري
و العينين المغلقتين كطفل مصاب بالكآبة
فيما بعد
أفتح الباب و أدخل كالهواء
أفتح الأرض و أدخل كالقمر
فأجدها هنا
تعدُّ ببطء السنوات التي قضيناها بتبادل
النار
و قراءة الأنباء المؤلَّفة في الجرائد
و أجدها هنا
شرفة تطلّ على البشر بحنان
و إعلانًا يقرؤه المارَّة دون أن
يتأسَّفوا
على العمر الذي اختفى ببلادة
و أجدها هنا تقول لي:
افتح رئتيك على الأعشاب
و دماغك المليء بالكدمات على الأرصفة
فيما بعد. فيما بعد. فيما بعد
ثمَّة طفل، حجر، حصان، إمرأة أو عربة
تضع بين يديك البلاد
و تدعوك إلى النزهة
بدون أن تسألك:
هل ثمن حذائك 44 ليرة
أم ليدك اليسرى ستَّة أصابع!.
الكلمة الأخيرة
عن
النقط السوداء الكافرة و القبلات الممنوعة من التداول
عن امرأة كسول تركت خلفها قميصها الممزَّق
و رسائلها الخضراء
عن فتاة كانت تحدِّثني عن الديوك مساء
الاثنين
و عن المقاصل مساء الاثنين
عن الطفل الذي يريد أن يخدش وجه القمر
بأظافره الطريَّة
و الرجل الذي يريد أن يثقب قلب الطفل
بسكِّينه المدبَّبة
عن الخضار و المشانق و الأزمات و المشانق
عن الحروب المعبَّأة في الثلاَّجات
و السلام المحنَّط في الشوارع
عن الحبّ و الأحذية و الامبرياليَّة
عن حليب الماعز و حليب الأمَّهات
عن جدول ضرب الموتى و عمليَّات تقسيم
الجثث
عن الأوطان البعيدة و الوطن القريب
عن كومونة باريس و صناعة المرطَّبات
و ثياب الهيبيِّين و علي كتخدا
عن الآلهة الطيِّبة و أكاذيب إذاعة مونت
كارلو
عن أسناني و أهدابي و جواربي القديمة
عن الأرض التي سقطت و السماء الموشكة على
السقوط...
كتبت و كتبت و كسرت الأقلام
أقلام زهيدة الثمن كرأسي
و أقلام غالية اختلستها من جيوب أصدقائي
أقلام بيضاء بلا رائحة
و أخرى سوداء كوجه صبي باعني ورقة يانصيب
قرب جسر فكتوريا
أقلام حمراء أحتفظ بها للأوقات الخطرة
و أخرى خضراء أكتب بها الرسائل لحبيبتي
كتبت و كتبت و كسرت الأغاني
كتبت و كتبت و لم أحتفظ
إلاَّ
بقلبي
قلبي الذي أخبِّئه قبل أن أنام تحت وسادتي
خوفًا من قطَّاع الطرق و المسدَّسات
اللطيفة
إنَّهُ الآن يريد أن يفرَّ من قفصه الصدري
ليبحث عن عمل و رغيف أبيض
و فتاة ينام معها في غرفة صغيرة
مفتوحة دائمًا للأصدقاء و الكتب و
العصافير.